¤ الرد على الشبهات تفصيلاً:
=الشبهة الأولى:
* قولهم: نحن لا نشرك بالله، ونشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولكننا مذنبون، والصالحون لهم جاه عند الله، ونطلب من الله بهم.
* الجواب: اعلم أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإستباح دماءهم ونساءهم مقرون بذلك، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئًا، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، ولم يُغْنِهم هذا التوحيد شيئًا.
وقد ذكر الله عز وجل في محكم كتابه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وقال تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]، وقال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163]، وقال تعالى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:56] إلى غيرها من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب توحيد الله عز وجل في عبادته، وأن لا يعبد أحد سواه.
=الشبهة الثانية:
* قولهم: إن الآيات التي ذكرتها نزلت فيمن يعبد الأصنام، وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام.
* الجواب: اعلم أن كل من عبد غير الله فقد جعل معبوده وثنًا، فأي فرق بين من عبد الأصنام وعبد الأنبياء والأولياء؟! فالكفار منهم من يدعو الأصنام لطلب الشفاعة، ومنهم من يعبد الأولياء، والدليل على أنهم يدعون الأولياء قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء:57] أي أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم.
وكذلك يعبدون الأنبياء كعبادة النصارى المسيح ابن مريم والدليل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} [المائدة:116]، وكذلك يعبدون الملائكة كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ:40].
فبهذا تبين تلبيسهم بكون المشركين يعبدون الأصنام وهم يدعون الأولياء والصالحين من وجهين:
- الوجه الأول: أنه لا صحة لتلبيسهم، لأن مِن أولئك المشركين مَن يعبد الأولياء والصالحين.
- الوجه الثاني: لو قدَّرنا أن أولئك المشركين لا يعبدون إلا الأصنام فلا فرق بينهم وبين المشركين لأن الكل عبَد من لا يغني عنه شيئًا.
وبهذا عرفنا أن الله كفَّر مَن قصد الأصنام، وكفر أيضًا من قصد الصالحين، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الشرك، ولم ينفعهم أن كان المعبودون من أولياء الله وأنبيائه.
=الشبهة الثالثة:
* قولهم: الكفار يريدون من الأصنام أن ينفعوهم أو يضروهم، ونحن لا نريد إلا من الله، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ونحن لا نعتقد فيهم ولكن نتقرب بهم إلى الله عز وجل ليكونوا شفعاء.
* الجواب: اعلم أن هذا قول الكفار سواءً بسواء، حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [الزمر:3] وقوله تعالى: {هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} [يونس:18].
=الشبهة الرابعة:
* قولهم: نحن لا نعبد إلا الله، وهذا الإلتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة.
* الجواب: اعلم إن الله فرض عليك إخلاص العبادة له وهو حقه على الناس، حيث قال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، والدعاء عبادة، وإذا كان عبادة فإن دعاء غير الله شركٌ بالله عز وجل، والذي يستحق أن يُدعى ويُعبد ويُرجى هو الله وحده لا شريك له.
فإذا علمنا أن الدعاء عبادة، ودعونا الله ليلًا ونهارًا، خوفًا وطمعًا، ثم دعونا في تلك الحاجة نبينًا صلى الله عليه وسلم أو غيره فقد أشركنا في عبادة الله غيره.
وقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} [الكوثر:2] فإذا أطعنا الله ونحرنا له، فهذه عبادة لله، فإذا نحرنا لمخلوق نبي، أو جني أو غيرهما فقد أشركنا في العبادة غير الله.
والمشركون الذين نزل فيهم القرآن، كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات، وما كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والإلتجاء ونحو ذلك، وهم مقرون أنهم عبيد لله وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جدًا.
=الشبهة الخامسة:
* قولهم: أنتم تنكرون شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
* الجواب: نحن لا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم، الشافع المشفع، ونرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: {قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:44]، ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] ولا يشفع إلا من بعد أن يأذن الله فيه، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]، والله لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85].
فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، فاطلب الشفاعة من الله، فقل: اللهم لا تحرمني شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، اللهم شفِّعْهُ فِيَّ، وأمثال هذا.
=الشبهة السادسة:
* قولهم: إن الله أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة، ونحن نطلبه مما أعطاه الله.
* الجواب: اعلم أن الله أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة ونهانا عن هذا فقال: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]، واعلم أن الله سبحانه وتعالى أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة ولكنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا بإذن الله، ولا يشفع إلا لمن ارتضاه الله، ومن كان مشركًا فإن الله لا يرتضيه فلا يأذن أن يشفع له، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28].
واعلم أن الله تعالى أعطى الشفاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم، فالملائكة يشفعون، والأفراط -فرَطُ الولدِ صِغارُه ما لم يُدْرِكوا وجمعُه أَفراط، وفي الدعاء للطِّفل الميت: «اللهم اجعله لنا فَرَطًا» أَي أَجرًا يتقدَّمُنا حتى نَرِدَ عليه، وفرَطَ فلانٌ وُلْدًا: ماتوا صِغارًا- يشفعون، والأولياء يشفعون، فهل نطلب الشفاعة من هؤلاء؟
فإن كنت تريد من الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة فقل: «اللهم شفع فيَّ نبيك محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وكيف تريد شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تخالف أمره وتدعوه صلى الله عليه وسلم مباشرة، ودعاء غير الله شرك أكبر مخرج من الملة.
=الشبهة السابعة:
* قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئًا، ولكن الإلتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، فالشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام.
* الجواب: إعلم أن عُبَّاد الأصنام لا يعتقدون أنها تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها، وإن القرآن يكذب من قال إنهم كانوا يعتقدون غير ذلك، وأن عُبَّاد الأصنام هم من قصد خشبة، أو حجرًا، أو بنية على قبر أو غيره، يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع الله عنا ببركته أو يعطينا، وأن فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها هو نفس فعلهم، وبهذا يكون فعلكم هو عبادة الأصنام.
وقولكم: الشرك عبادة الأصنام، هل هذا يعني أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الإعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين.
= الشبهة الثامنة:
* قولهم: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحرًا، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟
* الجواب: اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من كفر ببعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكذَّب به، فهو كمن كذب بالجميع وكفر به، ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميع الأنبياء، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا*أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء:150-151] وقوله تعالى في بني إسرائيل: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة:85].
فمن أقر بالتوحيد وأنكر وجوب الصلاة فهو كافر، ومن أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة فإنه يكون كافرًا، ومن أقر بوجوب ما سبق وجحد وجوب الصوم فإنه يكون كافرًا، ومن أقر بذلك كله وجحد وجوب الحج فإنه كافر والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97] كَفَرَ -يعني من كفر بكون الحج واجبًا أوجبه الله على عباده-.
ومن أقَرَّ بهذا كله، ولكنه كذب بالبعث فإنه كافر بالإجماع لقول الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7].
فإذا أقررت بهذا فإعلم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئًا من هذا الأمور كفَر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل! فمنكر التوحيد أشد كفرًا وأبين وأظهر.
وها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤذِّنون ويصلون، وهم إنما رفعوا رجلًا، وهو مسيلمة الكذاب، إلى مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن رفع مخلوقًا إلى مرتبة جبار السماوات والأرض، يدعوه ويذبح له ويستغيث به ويعتقد فيه النفع والضر؟ أفلا يكون أحق بالكفر ممن رفع مخلوقًا إلى منزلة مخلوق آخر؟!
وقد أجمع العلماء على كفر بني عبيد القداح -الفاطميين- الذين الذين ملكوا المغرب ومصر وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويصلون الجمعة والجماعات ويدَّعون أنهم مسلمون، ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمين عليهم بالردة حين أظهروا مخالفة المسلمين في أشياء دون التوحيد حتى قاتلوهم وإستنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
وإذا كان الكفار الأولون لم يكفروا إلا حين جمعوا جميع أنواع الكفر من الشرك والتكذيب والإستكبار، فما معنى ذِكر أنواع من الكفر في -باب حكم المرتد-؟ كل نوع منها يُكَفّر، حتى ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزاح واللعب، فلولا أن الكفر يحصل بفعل نوع منه وإن كان الفاعل مستقيمًا في جانب آخر لم يكن لذكر الأنواع فائدة.
وقد حكم الله تعالى بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون، فقال الله تعالى فيهم: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} [التوبة:74].
وحكم الله تعالى بكفر المنافقين الذين قالوا كلمةً ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح، فقال الله تعالى فيهم: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 96].
ومن الدليل على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعر، قول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى عليه الصلاة والسلام: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «إجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» فقال: «الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:138]، لتركبن سنة من كان قبلكم» رواه الترمذي وصححه الألباني، وهذا يدل على أن موسى ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام قد أنكروا ذلك غاية الإنكار.
= الشبهة التاسعة:
* قولهم: في قول بني إسرائيل لموسى {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}، وقول بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: «اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» إن الصحابة وبني إسرائيل لم يكفروا.
* الجواب: أن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولين الكريمين إنكار ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا.
=الشبهة العاشرة:
* قولهم: إن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا.
* الجواب: الإستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال الله تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15]‘ والناس لم يستغيثوا بهؤلاء الأنبياء الكرام ليزيلوا عنهم الشدة، ولكنهم يستشفعون بهم عند الله عز وجل ليزيل هذه الشدة، وهناك فرق بين من يستغيث بالمخلوق ليكشف عنه الضرر والسوء، ومن يستشفع بالمخلوق إلى الله ليزيل الله عنه ذلك، وهذا أمر جائز كما أن الصحابة رضي الله عنهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو الله لهم، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره فكيف بدعائه نفسه؟
ولا بأس أن تأتي لرجل صالح حي تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك، وهذا حق، إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذلك ديدنًا له كلما رأى رجلًا صالحًا قال: ادع الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف، وفيه اتكال على دعاء الغير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيرًا له، لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل.
الكاتب: شحاتة صقر.
المصدر: موقع دعوة الانبياء.